المادة    
يقول المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ: [وهذا الذي قاله الإمام رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ثابت بالأدلة القاطعة، من الكتاب والسنة قال تعالى: [((مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ))[صّ: 75].] هذا استدلال عَلَى اليد أو اليدين.
[وقال تعالى: ((وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ))[الزمر:67]] وهذا أيضاً فيه إثبات اليد.
[وقال تعالى:((كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ)) [القصص: 88] ((وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ)) [الرحمن:27]] وهذا إثبات لصفة الوجه.
[وقال تَعَالَى - عَلَى لسان المسيح عَلَيْهِ السَّلام -: ((تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ)) [المائدة:116]، وقال تعالى:((كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)) [الأنعام:54]، وقال تعالى: ((وَاصطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي)) [طـه:41]، وقال تعالى: ((وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ)) [آل عمران:28] وقال صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث الشَّفَاعَة لما يأتي النَّاس آدم فيقولون له: {خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء} الحديث].
هذه الآيات وكذلك الحديث صريحة في إثبات هذه الصفات لله عَزَّ وَجَلَّ وهي الصفات التي ينكرها المبتدعة بدعوى أنها جوارح، أو أعضاء، أو أركان، أو ما أشبه ذلك، لكن الصفات التي في القُرْآن أثبتها الإمام أبو حنيفة لأنها ثابتة في القرآن، والمصنف جَاءَ بهذه الآيات ليستدل بها عَلَى ما ذكره الإمام أبو حنيفة

فكل ما ثبت لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من الصفات في كتابه، أو في سنة رسوله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإننا نثبته، وهذا هو الواجب، وإن قال من قَالَ: إن هذا يقتضي الجسمية، أو يقتضي التحيز، أو يقتضي أنه عضو، أو أنه ذو أجزاء وأنه مركب! فأي اقتضاء يأتون به نَحْنُ لا نلتزم بما يلزموننا به ولا نبالي بهم، وإنما نثبت ما أثبته الله ورسوله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
  1. تأويل الصفات بناءً على توهم التعارض بين العقل والنقل

    ولهذا أخذ المُصنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ يرد عَلَى الذين يقولون بتأويل هذه الصفات الثابتة في الكتاب والسنة، الذين يقولون: ننفي الأعضاء والجوارح والأركان عن الله عَزَّ وَجَلَّ بزعمهم فيقول القائل: هل تريدون بذلك إنكار اليد والوجه والعين فيقولون: نعم، نَحْنُ ننكر ذلك، فيقول لهم: فما تقولون في آيات الله عَزَّ وَجَلَّ قالوا: يجب أن تؤول، ولماذا يجب أن تؤول؟ قالوا: حسب القاعدة التي ذكرنها في معارضة ظواهر الأدلة للبراهين العقلية، وظواهر الأدلة عندنا هنا هي الآيات.
    يقولون: هذه الآيات ظواهر نقلية، يعني: ظواهر من النقل، والمعارض العقلي لها هو: كونه تَعَالَى ليس له شبيه ولا مثيل، وليس له أعضاء ولا جوارح ولا أدوات هكذا يقولون، هذا معارض عقلي راجح وقوي وقاطع عندهم، فنعرض ظواهر النقل عَلَى العقل والبراهين العقلية، فما أثبته أثبتناه وما نفاه نفيناه، كلهم يقولون هذا!
    ولذا وضع الفخر الرازي القانون الكلي في تعارض العقل والنقل، وقد ذكره مَنْ قبله؛ لكنه ذكره كقانون في كتاب أساس التقديس، الذي نقضه ورد عليه شَيْخ الإِسْلامِ في كتابه نقض التأسيس أو بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية.

    وقد ألف شَيْخ الإِسْلامِ ابْن تَيْمِيَّةَ كتاب درء تعارض العقل والنقل، وهو أعظم كتاب عقلي كتب في الإسلام، حتى قال بعض العلماء: إنه لم يكتب في تاريخ الفكر العالمي كتاب أدق وأعمق من هذا الكتاب؛ لأنه ما بقي من أنواع الفسلفات والآراء والنظريات التي يمكن أن تصعب أو يدق فهمها ولا يستطيع كل عقل أن يخوض فيها؛ إلا وتعرض لها شَيْخ الإِسْلامِ في هذا الكتاب بإسهاب عظيم، ويبقى هذا الكتاب حجة قائمة إِلَى قيام الساعة.
    فأي نظرية تأتي بعدها نظريات لا تخلو عن أن يُقَالَ: إنها براهين أو قواطع عقلية، فهي من وضع عقول البشر فهو يبين كيف أنه لا يمكن أبداً أن يتعارض الوحي الصحيح الصريح مع العقل الصحيح الصريح، ويرد عَلَى كل الأقوال التي أوردها أُولَئِكَ النَّاس في هذا التعارض.